لماذا لا يكفي أن "تعجبك" الشركة؟
هناك لحظة يمر بها كل مستثمر مبتدئ: ينظر إلى قائمة الأسهم، يرى اسم شركة يعرفها ويحب منتجاتها - "أبل"، "ستاربكس"، "الراجحي" - ويشعر بأنه وجد ضالته. "سأستثمر هنا، فأنا أعرفهم وأثق بهم."
هذه الثقة محمودة، لكنها نصف الطريق فقط. تخيل أنك تختار فريقًا للعمل على مشروع مهم. هل ستختار الجميع لأنهم "أشخاص لطيفون"؟ أم ستبحث عن المهارات المحددة التي يحتاجها مشروعك: المخطط الاستراتيجي، المسؤول المالي، المبتكر الجريء؟
الأسهم، في جوهرها، شخصيات مختلفة. بعضها صاخب ومليء بالوعود (والمخاطر)، وبعضها هادئ وموثوق. الفرق بين نجاحك وإحباطك لا يكمن في اختيار "شركة جيدة"، بل في فهم أي نوع من "الشركاء" تريد جلبه إلى محفظتك.
اليوم، لن تكون جولتنا في معرض للمصطلحات المالية. ستكون جلسة تعارف. سنتعرف على "شخصيات" الأسهم المختلفة، ونكتشف أيها يتحدث بلغتك.
ما هو السهم؟ ليس مجرد رمز على الشاشة
قبل التعرف على الشخصيات، دعنا نتفق على ماهية الضيف الأساسي. السهم هو شهادة ملكية صغيرة. عندما تشتري سهمًا في "تسلا"، فأنت لا تشتري مجرد رمز يتأرجح على الشاشة. أنت تصبح شريكًا صغيرًا جدًا في مصانعها، في ابتكاراتها، وفي نجاحها وتحدياتها.
الاستثمار الحقيقي يبدأ عندما تتوقف عن رؤية الخطوط البيضاء والخضراء، وتبدأ في رؤية المصنع، المنتج، الفريق الإداري، والعملاء خلف هذا الرمز.
التصنيف الأول: حقوقك كشريك.. صوت أم راتب ثابت؟
أول سؤال يجب أن تسأله لأي سهم: ماذا تقدم لي كمُالك؟
الأسهم العادية: الشريك النشط
هذا هو الشريك الكلاسيكي. يمنحك حق التصويت في جمعيات المساهمين. العائد غير مضمون ومرتبط بأداء الشركة. إذا نجحت الشركة، قد تضاعف حصتك. مناسب لمن يريد المشاركة في الرحلة ويتحمل التقلبات.
الأسهم الممتازة: الموظف الممتاز
تخيل موظفًا لا يشارك في اجتماعات الإدارة، لكنه يتقاضى راتبه المضمون أولاً. هذه هي الأسهم الممتازة. تمنحك دخل ثابت (توزيعات أرباح) بأولوية قبل العادية، لكن بدون حق تصويت يذكر. مناسب للباحث عن اليقين مثل المتقاعدين.
التصنيف الثاني: حجم الشركة.. العملاق أم الطفل المعجزة؟
الحجم هنا ليس عن الكبرياء، بل عن مرحلة النمو ومستوى المخاطرة.
الشركات الضخمة: العملاق الثابت
(مثل: مايكروسوفت، أرامكو). سفن محيطية ضخمة لا تنقلب بسهولة. نموها بطيء لكنه شبه مؤكد، وعوائدها غالبًا توزيعات منتظمة. هي المرفأ الآمن.
الشركات الصغيرة: الطفل المعجزة
شركات ناشئة أو صغيرة. تشبه قارب سباق خفيف: مخاطرة عالية، عائد محتمل عالي (قد تنمو 300% أو تغرق). مناسبة للمستثمر المغامر بجزء صغير من المحفظة.
الشركات المتوسطة: النجم الصاعد
منطقة التوازن الذهبية. شركات أثبتت نجاحها وبدأت التوسع. هي النجم الصاعد الذي يجمع بين النمو والأمان النسبي.
التصنيف الثالث: شخصية العائد.. المنتج أم الواعد؟
كيف تفضل أن تربح؟ شهريًا كراتب، أم لاحقًا كمكافأة كبيرة؟
أسهم توزيعات الأرباح: الشجرة المثمرة
هي آلات نقدية (مثل شركات المرافق). تركز على توزيع أرباح ثابتة. نمو سعرها بطيء لكن التدفق النقدي مضمون. مناسبة لمن يبني دخلاً سلبيًا.
أسهم النمو: الحالم الطموح
شركات تعيد استثمار كل ريال في التوسع ولا توزع أرباحًا حاليًا. عائدك يأتي من ارتفاع السعر مستقبلاً. مناسبة للمستثمر الشاب ذو النفس الطويل.
أسهم القيمة: الكنز المدفون
شركات قوية قلل السوق من قيمتها لسبب مؤقت. تشتريها بأقل من قيمتها وتنتظر تصحيح السوق. هي لعبة المستثمر الذكي الصبور.
التصنيف الرابع: القطاع.. في أي حقل تزرع؟
لا تضع كل بذورك في حقل واحد. نوّع بين القطاعات:
- التكنولوجيا: عالي النمو، عالي التقلب.
- الرعاية الصحية: دفاعي، ينمو مع تقدم العمر.
- السلع الاستهلاكية الأساسية: تظل مطلوبة حتى في الركود.
- الطاقة والمصارف: قطاعات دورية تتأثر بالاقتصاد.
التصنيف الخامس والسادس: الجغرافيا والأسلوب
هناك تصنيفات أخرى كالجغرافيا (محلي vs عالمي) والأسلوب (دفاعي vs دوري).
تنويه مهم: كل هذه التصنيفات مهمة، لكن هناك نوع واحد لم نذكره، وهو الأخطر على الإطلاق: السهم الذي تشتريه لأن شخصًا قال لك إنه سيرتفع 100% الأسبوع القادم. هذا النوع ليس له تصنيف، له اسم واحد: الفخ.
كيف تختار؟ اسأل نفسك هذه الأسئلة
- ما هو هدفي؟ (دخل شهري أم ثروة طويلة المدى؟).
- ما هو تحملي للمخاطرة؟ (هل أتفزع من الخسارة المؤقتة؟).
- ما هو أفق زمني؟ (3 سنوات أم 15 سنة؟).
- هل أفهم هذا العمل؟ (ابدأ بما تعرفه).
الفريق المثالي يحتوي على مزيج يوازن بين هذه الإجابات.
نصائح أخيرة قبل أن تبني فريقك
- التنويع هو سحرك الوحيد المجاني: لا تضع البيض كله في سلة واحدة.
- التوقيت الدوري أهم من توقيت السوق: الاستثمار الشهري الثابت يهزم التوقعات.
- الجشع صديق سيء: لا تطمع في كل شيء، احجز أرباحك عند الارتفاعات الخيالية.
- المحفظة كالحديقة: تحتاج تقليمًا ومراجعة دورية.
الفريق يفوز، لا الأفراد
في نهاية هذه الجلسة، أريدك أن تتخيل محفظتك كغرفة عمليات، يعمل فيها الجميع معًا.
النجاح لا يأتي من أن يكون كل فرد بطلاً. بل من أن يعمل الفريق معًا لتحقيق البناء المتين لثروة تنمو بهدوء، وتحميك، وتوفر لك الطمأنينة.
ابدأ اليوم، ليس بشراء سهم، بل بكتابة مواصفات فريقك المالي الأول.


